أيام تكويية لفائدة الأساتذة و المفتشين
المعهد الوطني لتكوين مستخدمي التربية وتحسين مستواهم
ملاحظة: حصص تكوينية لتأطير الأساتذة و المفتشين بمختلف الأطوار
مقدمة التعليمية
إن تاريخ أي علم من العلوم أو تخصص من التخصصات لا يجذب –عادة- دافعية ورغبة وإرادة وانتباه المكونين
(Les Formateurs) المراد تكوينهم حتى وإن كان برنامج التكوين مرتبطا بتاريخية تخصص علمي معرفي حديث العهد أو الميلاد.
والسبب في ذلك يعود إلى البراغماتية التي صارت تطبع فكر المكونين والتي تدفعهم دوما في الندوات ، والملتقيات إلى الإلحاح على ضرورة التركيز المستمر على المشاكل والصعوبات اليومية التي يعانون منها في التطبيقات الصفية
(Les Pratiques de classe) مع المتعلمين، ومناداتهم للمتخصصين (Les Spécialistes) والخبراء (LesExperts)والباحثين (Les Chercheurs) لمساعدتهم في إيجاد الحلول للمعضلات التي تعرقل السيرورة الجيدة للدرس بفعالية سواء تعلق الأمر بمحتوى المادة التعليمية أم بصياغة أهدافها أم بطرق وأساليب ووسائل تدريسها.
كل هذا ،من أجل تحويل هذا المضمون المعرفي التعليمي من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل في ذهن المتعلمين.
وبحكم اتصالنا بالمعلمين ، ومعايشتنا الميدانية لما يجري في واقع المدرسة الجزائرية ارتأينا بضرورة البدء بنشأة التعليمية وتطوراتها التاريخية لما لهذا الجانب من أهمية في تحكم المكونين في المحتوى الاصطلاحي والنظري لمفهوم التعليمية التي دخلت إلى عالم التربية والتعليم بمنحى علمي جديد لم نعهد عليه من قبل في التعليم.
أهمية التعرف على تاريخية التعليمية
ماالفائدة التي يمكن أن يجنيها المكونين من السرد التاريخي للتعليمية؟ ماهو الهدف الذي يمكن أن يحققه هذا المدخل التاريخي في تكوين المكونين؟كيف سيساعد تاريخ التعليمية في تحسين مستوى أداء المكونين في التعليم والتدريس ؟ هذه مجموعة من التساؤلات التي ترد – دوما – في ذهن المكونين والتي سنحاول الإجابة عليها في هذا السند بغية جلب إهتمام المكونين لقراءة االجانب التاريخي لهذا العلم الجديد. وذلك لما له من أهمية في الرفع من مستوى المكونين في الجانبين:النظري والتطبيقى المتعلقين بالتعليمية.
إن اتضاح الرؤية التاريخية للتعليمية لدى المستخدمين في هيئة التربية والتعليم في مختلف ميادينها لها أهداف وأهمية جمة في فهم التعليمية اصطلاحا, ومنهجا وتنظيرا في النواحي التالية:
-التحديد الدقيق لمفهوم التعليمية وذلك لتداخل هذا التخصص مع تخصصات علمية أخرى منها :
علوم التربية والتربية التجريبية و البيداغوجيا…الخ العلوم التي انبثقت عنها التعليمية إلى الوجود.كل هذا ، بهدف الإبراز الدقيق لموضوع البحث الذي يميز التعليمية عن هذه العلوم التي انحدرت منها.
-التعرف على التناول المنهجي الجديد الذي توصل إليه الديداكتيكيون(les Didacticiens) من خلال دراساتهم المستفيضة لمشكلات وعوائق التعلم المختلفة حتى يتسنى لنا تحديد خصوصية التناول المنهجي الجديد الذي جاءت به التعليمية.
- التعرف على المفاهيم النظرية الجديدة التي اكتشفتها التعليمية في هذا الحقل البحثي الجديد ليتسنى لنا في نهاية المطاف، الاستنتاج ما إذا كانت التعليمية -بالفعل- تعد تخصص جديد مستقل بحد ذاته عن التخصصات الأخرى أم ما هوإلا إمتداد للتخصصات التي انبثق عنها؟ وإذا كان هذا الأمر صحيحا فما هو جديد التعليمية في البحث العلمي ؟
وهل يمكن – أصلا –اعتبار تعليمية اليوم، علما جديدا له قواعده النظرية والمنهجية واللتان سيسمحان لنا بالاعتراف بميلاد تخصص جديدفي عالم التربية والتعليم.
هذا من ناحية،ومن ناحية أخرى ، فان تاريخ التعليمية لا يزال يعتريه الكثير من الغموض واللبس لدى الباحثين عموما فما بالأمر مع الطالب أو المعلم أوالأساتذة المبتدئين الذين لا يزالون يعانون من صعوبة فهم و إتقان الدهاليز التاريخية للتعليمية ،ولاسيما في ظل غياب مرجع تعليمي يلخص لنا بالتفصيل الدقيق لهذا الجانب والذي يسمح لنا في الأخير ،التعرف على هذا التخصص العلمي الجديد ووعى أهميته الخصوصية في التعليم بدقة وبالتالي إخراج الجانب التاريخي للتعليمية من عالم الغموض إلى عالم الوضوح . النشأة التاريخية للتعليمية
كيف نشأت التعليمية ؟
كيف شق هذا الحقل البحثي طريقه في عالم البحث والدراسة ؟
ما هي الخلفية الجنينية التاريخية التي مهدت لولادة هذا المولود العلمي الجديد ؟
وماهي الظروف المدرسية التي ساهمت في بروز هذا الحقل البحثي الجديد في عالم البحث العلمي بشكل متميز شجع الديداكتيكيون فيما بعد بالمناداة باستقلالية هذا التخصص بذا ته ؟
هذه مجموعة من التساؤلات التي سنتخذها كنبراس نهتدي به في توضيح النشأة التاريخية للتعليمية
الأسباب غير المباشرة وراء ظهور التعليمية
شهدت الفترة الممتدة بين نهاية الستينات وبداية السبعينيات– ثراء معرفيا وعلميا كبيرا لم تعرف له مثيلا -من قبل- الدول الأوروبية والعربية ،والسبب في ذلك يعود إلى انكباب العلماء والباحثين بصورة مستمرة في البحث ، ولمدة طويلة نتج عنها ظهور تخصصات جديدة كان لها الدور الكبير في تدعيم الأرضية العلمية لظهور هذا الحقل البحثي الجديد و الذي اتفق على تسميته الباحثون الذين يشتغلون في مجاله بالتعليم
السبب المباشر في ظهور التعليمية
إذا كان الثراء المعرفي العلمي النظري الذي شهده ميدان اللسانيات ، وعلم النفس وعلم التباري، قد كان بمثابة الأرضية العلمية غير المباشرة التي أدت إلى ظهور التعليمية، فإن الفشل المدرسي (L’échec scolaire) الناتج عن تدني المستوى التحصيلي للمتعلمين فيكل المواد التعليمية: الرياضيات، والفيزياء، والقراءة، والقواعد، والتعبير…الخ. يعد العامل المباشر وراء ظهور التعليمية، حيث لم يعد الفشل المدرسي يمس نسبة قليلة من المتعلمين، بل امتد إلى جل الشريحة المتعلمة، وذلك بنسب كبيرة وخطيرة ، لم يعهد عليها النظام التربوي القديم ، الذي كان التلميذ الضعيف فقط الذي يعاني من مشكلة الفشل المدرسي فيه ، غير أن هذه المعضلة اتخذت في نهاية الستينات وبداية السبعينات بعدا محليا وعالميا، تقاسمت كل بلدان العالم منها: فرنسا، وإنجلترا، وإيطاليا، وإسبانيا… مخاطره ومشكلاته.
(Nivacatach,1986,P.6) (Michel Develay,1992,P. 67)هذا الوضع التربوي الجديد الذي آل إليه التعليم شجع الديداكتيكيون وذلك نتيجة لأبحاثهم المتميزة في دراسة مشكلة الفشل المدرسي بمنهجية خاصة ودقيقة شجعتهم فيما بعد إلى اعتبار الديداكتيكية كحقل بحثي متميز جديد دخل إلى الساحة العلمية.
فبعدما كان مصطلح الديداكتيكية في اللغة الفرنسية في الماضي، مرادفا لكل ما هو مدرسي (Scolaire) ويقصد به الطريقة(Magistrale) لتوصيل المعرفة، فإن هذا المصطلح قد عرف –ابتداء من السبعينيات- تطوارت كبيرة. (Universalis corpus7,P.301) في مجال منهجية البحث التطبيقية، ومنهجيته النظرية الاصطلاحية، مما جعل الديداكتيكيون ينادون باستقلالية هذا العلم، والنظر إليه كتخصص مستقل بحد ذاته عن العلوم الأخرى.
(Michel Develay,1992,P. 67) حيث اختص الديداكتيكيون بدراسة الفشل المدرسي من خلال ظاهرة الأغلاط
(Les erreurs) المرتكبة من قبل المتمدرسين، حيث صاروا يتعاملون مع الخطأ كمرض، فأطلقو عليه تسميات جديدة منها عسر القراءة(dyslexie)، عسر الكتابة (dysgraphie)،وعسرالقواعد(dysorthographie)،وعسرا لحساب(dyscalculie) …الخ. ومنذ ذلك الحين صارت تلقب هذه المشكلات المدرسية بأمراض العصر.(les maladie du siècle) (Denis
Bartout et al,1977,P.5)
تعليمية أم تعليمات
Bartout et al,1977,P.5)
تعليمية أم تعليمات
استخلاصا من القراءة للرصيد المعرفي العلمي الديداكتيكي استنتجنا، أن هناك نوعين من التعليمية:
التعليمية الخاصة (La didactique spécifique) ، والتعليمية العامة (La didactique Générale)
علاقة التعليمية العامة بالتعليمية الخاصة
ترتبط التعليمية العامة بالتعليمية الخاصة من حيث موضوع الدراسة، فكليهما يهدفان إلى تحليل سيرورات الاكتساب أو عدم اكتساب المعارف وحسن أدائها للتعرف على العوائق والصعوبات وتعيين طبيعتها واتجاهاتها وذلك عن طريق دراستها في الأهداف والمحتويات والطرق عبر المثلث الديداكتيكي الذي يضم المعلم والمتعلم والمعرفة .هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ،فإن التناول المنهجي للتعليميين: العامة والخاصة، يتسمان بالتجريبية والتطبيقية لأن مبادئهما تقومان على أسس البحث الأمبريقي، ذلك أن الديداكتيكيين على ما يذهب إليه أستوفي وجماعته (Astolfi & al) ينطلقون من الميدان مباشرة حتى يتسنى لهم الملاحظة المنتظمة (Systématique) للأحداث في موقعها الطبيعي من أجل دراستها (J.P.Astolfi,1996,P.21) وذلك بإتباع أسلوب المساءلة والتحقيق وملاحظة كل ما يحدث في الموقف التعليمي، وذلك بغية الوصول إلى التحديد الدقيق للخلل والكشف عن دخيلته وكنهه.غير أن ذلك، يتم بمتناولات بحثية مختلفة، تختص كل تعليمية بتصميمها بشكل خاص يميز كل تعليمية عن الأخرى في البحث والدراسة.
(L’aurance cornu,1992,P.18)ويبقى الاختلاف المميز للتعليمية العامة عن التعليمية الخاصة أن الطبيعة البحثية للتعليمية العامة ذات طبيعة متنوعة يمكن استغلال نتائجها البحثية في أي مادة تعليمية، وذلك لارتباط أبحاثها بالاكتساب العام أو عدمه لأي نوع من المعارف وحسن أدائها (Universalis corpus 7,2002,P.303) محاولة من وراء ذلك الكشف عن القوانين العامة والأحكام التي تتحكم في عملية التعليم والتعلم في أي مادة تعليمية من خلال العناصر العامة التي يحتويها المنهج التعليمي، سواء تعلق الأمر بالطرق أم المحتوى ، أم الأهداف، أم الوسائل التعليمية…الخ. في حين ،ينصب اهتمام التعليمية الخاصة بكشف قوانين الاكتساب أو عدم اكتساب المعرفة في كل مادة تعليمية على حدي وذلك للطبيعة الخصوصية التي تطبع كل مادة تعليمية وتميزها عن مادة تعليمية أخرى. وعليه ،فإن التعليمية الخاصة تبحث في نطاق أضيق إذ تنحصر أبحاثها في الكشف عن القوانين المتعلقة بمادة تعليمية واحدة. (عبد الله قلي،2002،ص124).
يستنتج مما جاء، أن التعليمية العامة تهدف إلى كشف المنطق العام المتحكم في سيرورات التعليم والتعلم في كل المواد التعليمية ، أما التعليمية الخاصة، فإن هدفها يقتصر على كشف المنطق الخاص المميز لسيرورات التعليم والتعلم في كل مادة تعليمية فقط.هل التعليمية علم قائم بحد ذاته؟
على الرغم من التطورات الكبيرة التي عرفها الحقل البحثي الديداكتيكي، وبنائه للنظرية الديداكتيكية العامة المعروفة بالتعليمية التجريبية(Didaxologie) أو التعليمية العلمية (Paraxologie) (L’aurance cornu , ibid. ,P.39) فإن الجدل بين الباحثين في الميدان التعليمي والتربوي بتخصصاته المختلفة لا يزال قائما فيما بينهم حول ما إذا كان بإمكاننا اعتبار ديداكتيكية اليوم .وذلك بعد أكثر من عشرين سنة من البحث المتواصل- علما قائما بحد ذاته، وبالتالي الاعتراف بميلاد تخصص جديد في عالم علوم التربية والتعليم.
بداية يجدر التنبيه إلى أن هناك مجموعة من الباحثين لا تزال تنظر للتعليمية على أنها فرع من الفروع العلمية التي انفصلت عن علوم التربية وبالأخص البيداغوجيا، وذلك لاستمرارية التعليمية الاعتماد على الاختصاصات التي يطلق عليها باختصاصات الدعم، أوالاختصاصات التكملة، في البحث والمتمثلة أساسا في علم النفس المعرفي، وعلم النفس المدرسي، وعلم التربية، والبيداغوجيا،واللسانيات التطبيقية والفلسفة، والابستمولوجيا(عبد الله ، قلى ،2002،ص123).
بناء على هذا، فان التعليمية لا تزال في أبحاثها النظرية ترتكز على المفاهيم النظرية المتوصل إليها في الإختصاصات المذكور ة أضف إلى هذا، أن مكانة التعليمية في المؤسسات العلمية منها الجامعات والمعاهد غير واضحة المعالم في مجال البحث والدراسة، ففي إيطاليا وسويسرا تعتبر التعليمية مرادفا لمادة ترتبط بعلم النفس، وعلم اللغة، و في دول أخرى فإن التعليمية والبيداغوجيا صوان لا يميز بينهما.
(عبد الله قلي،2002،،ص117) وفي بعض الدول فإن التعليمية وعلم النفس اللغوي يعدان تخصصا واحدا.
بينما نجد في المقابل رهطا آخر من الباحثين يصرون -منذ منتصف السبعينيات على أن التعليمية ،لاسيما بعد نجاحها في تأسيس الإطار النظري والمنهجي الخاصين بها في البحث - على أن التعليمية تعد كتخصص جديد دخل إلى ميدان البحث العلمي والدراسي. وهذا ما يدفع بالديداكتيكيين إلى يومنا الحالي بالمناداة- على ما يذهب إليه دانيال لاكومب في الموسوعة العالمية منذ الثمانينات - بانفصال هذا التخصص البحثي الخصب بذاته عن العلوم الأخرى، ومن بين هؤلاء الباحثين نذكر غاستون ميالاري (Gaston Mialaret) الذي يصر على أن التعليمية تعد تخصصا جديدا ضمن التخصصات العديدة لعلوم التربية.
وقد أيدته في هذه الفكرة لورانس كورني(l’aurance cornu) التي تصر بدورها على أن تخصص التعليمية لا ينتمي
لاإلى تخصص علم النفس أو تخصص البيداغوجيا، أو تخصص التاريخ، أو تخصص الابستمولوجية، بل إن للتعليمية
هوية و مشاكلا ومنهجا، خاصة بما يجعلها متميزة عن كل هذه التخصصات المذكورة.
(L’aurance cornu ,ibid ,P.42) وقد توصلت الديداكتيكية إلى تحقيق هذا المبتغى على مذهب كلود راسكي
(Claude Rasky) بفضل جمودها الحثيثة في تحديد مواضعها البحثية بدقة وكذا في تعيين المحاور الكبرى الخاصة بها في البحث، بالإضافة لاكتشافها تناولات بحثية جديدة (Des approches de recherche nouvelles) مكنتها من دراسة مشاكل التحصيل بصورة تطبيقية امبريقية (Claude Rasky,1996,P.11) مختلفة عن الدراسات التي كانت سائدة في هذا المجال في السابق.
غير أن السؤال الذي لا يزال يعتريه بعض الغموض واللبس، وهو بحاجة إلى إجابة دقيقة متمثل في الفرق الذي يفصل بين البحث الديداكتيكي والبحث البيداغوجي، ذلك أن هذين التخصصين يجمعهما مثلث ديداكتيكي بحثي واحد الشامل لعناصر المعرفة ،والتلميذ، والمعلم.
وعليه ،فإن نموذج النظام البيداغوجي والنموذج الديداكتيكي(Le modèle du système pédagogique ou didactique)نموذجان متماثلان من حيث محاور البحث العامة، ويبقى الفاصل الذي يفصل بينهما متمثلا في طرق تناول هذه المواضيع أو المحاور الكبرى، حيث تركز الديداكتيكية في أبحاثها على السيرورات أي سيرورات التعليم، و سيرورات التعلم، و سيرورات التكوين، التي تحكم الموقف التعليمي، مستعينة في ذلك بتصميم نماذج تعليمية تتسم بالتطبيق في تفسير أبعاد العراقيل الكامنة وراء الأخطاء وانتشار ظاهرة الفشل المدرسي .
(Michel Develay,1995p 64)، في حين ،لا يزال البحث البيداغوجي ينقصه كثيرا البعد المباشر والبعد التطبيقي في دراساته ، وبالتالي لا يزال الجانب النظري يطغى على دراساته، مما يدفعنا إلى القول:
أن النماذج البيداغوجية لم ترق إلى مستوى النماذج الديداكتيكية في تشخيص موطن الخلل وتوضيحه وشرحه بالطريقة العلمية الدقيقة التي توصلت إليها التعليمية في أبحاثها ودراساتها والتي ساعدت المعلم بشكل كبير في فهم أسباب الخطأ وكيفية تجاوزه.
إن البحث في مجال الديداكتيكية يتطور بشكل متجدد ومتواصل مركزا في أبحاثه على مختلف الطرق التي يواجه بها المتعلم تلقي المعارف والمعلومات أثناء خضوعه لعملية التعليم والتعلم. يفهم من هذا ، أن الديداكتيكية لا تركز -كما هو الحال مع البيداغوجيا- على تفاعل المعلم بالمتعلم فقط، بل تتجاوز ذلك إلى التركيز على مسألة الطرق التعليمية المتباينة المستعملة من قبل كل متعلم في عملية التعلم ،جاعلة أمام نصب أعينها المتعلم المسؤول الأول في معركة التعلم أو عدم تعلم أي مادة تعليمية.
كما يمتاز البحث الديداكتيكي بتكيفه السريع والمتجدد لاسيما في ظل الانفجار المعرفي العلمي الذي تشهده الساحة العلمية في كل مجالات تخصصاتها العديدة كل يوم، مما يبرهن اكثر على مدى القدرة العلمية الفائقة التي يمتاز بها الخبراء الديداكتيكيين في قراءة هذا الرصيد العلمي المعرفي الهائل، واستغلاله بشكل محكم في أبحاثه والذي انعكس بشكل إيجابي على التطوير المستمر للمتناولات البحثية التطبيقية، وكذا في التصميم الجيد والفعال للنماذج الديداكتيكية فيما يخص كل عنصر من عناصر المادة التعليمية سواء تعلق الأمر بمضمونها أو تطبيقها في أي وضع تعليمي بيداغوجي محدد مستعملة في ذلك طرق ووسائل تقنية ساعدت المعلمين بشكل مباشر في حل المشكلات التي يعانون منها في التعليم، ويعود سبب ذلك إلى انطلاق التعليمية من القسم مباشرة ، وكذا معايشتها الميدانية للمشاكل في محيطها الطبيعي. وبهذا فإن الاستراتيجية المتبناة من قبل الديداكتيكية يقوم أساسها على استراتيجية التغيير المستمر للأهداف والطرق والمحتويات، وذلك قصد تجديدها حسب متطلبات البحث العلمي من جهة، وحاجات المجتمعات من جهة أخرى، منتهجة في أسلوب تغييرها الأسلوب المباشر في الفعل.
(Michel Develay,1995p 73) (C’est une science d’action directe) انطلاقا من التجديدات المستحدثة من قبل الديداكتيكية منذ نشوئها إلى وقتنا الراهن، يمكن استخلاص أن هذا التخصص الفتي قد استطاع بفضل جهود خبرائه الباحثين الذين ينتمون إلى تخصصات متباينة ومتكاملة فيما بينها، أن يؤسسوا بالفعل نظرية عامة للديداكتيكية في مجالها النظري التطبيقي التي سمحت لهذا الحقل البحثي أن يفرض نفسه كتخصص جديد في علوم التربية، لاسيما بعد النجاح المتميز الذي حققه هذا التخصص في الاختيار الدقيق سواء للموضوع أو منهج دراسته.وبتحقيق الديداكتيكية هذه المرامي المنهجية والنظرية، يمكن لنا من هذه الزاوية تأييد رأي الديداكتيكيين المؤيد لاستقلالية هذا التخصص بذاته عن تخصصات علوم التربية الأخرى، وبالتالي القول في نهاية مطاف هذا البحث أن الديداكتيكية علم قائم بحد ذاته
. الـخـاتمـة
تمكنا من خلال السرد التاريخي للمراحل المختلفة لنشأة الديداكتيكية التعرف على المبررات النظرية والمنهجية التي اعتمدها الخبراء الديداكتيكيين في المناداة باستقلالية هذا التخصص العلمي الجديد بذاته من الناحية العلمية دون الناحية المؤسساتية، بدليل أن هذا التخصص لايزال يدرس في مختلف الجامعات العالمية في إطار تخصصات مختلفة التسميات،والتي يسعى الديداكتيكيون في الوقت الراهن إلى تحقيق هذا البعد العلمي الذي لا يزال محل نقاش وخلاف بين الديداكتيكيين إلى الوقت الراهن، والذين يسعون إلى وضع حد له بالبحث المكثف والمتجدد والمتواصل لتدعيم الأسس المفاهمية والمنهجية، بصورة أكثر ثراء وعمق تمكن الديداكتيكية من تحقيق مكانة واحدة خاصة بما في المؤسسات العلمية على مستوى كل بلدان العالم.
فهل سيتم إخراج هذا الحلم من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل؟ هذا ما سنتركه للمستقبل القريب والبعيد مفتوحا للإجابة عليها بالإيجاب أو السلب.