التجارة الإلكترونية - دراسة حالة الجزائر
ظهرت في العقود الأخيرة من القرن العشرين العديد من التغيرات والتحولات التي أفرزتها معطيات التطور التكنولوجي، فتسارع وتيرة نمو الابتكارات والتقنيات التكنولوجية ساهم في نقل المجتمعات عبر الزمن إلى عصر المعلومات، وأدّى إلى ميلاد وبروز العديد من التطبيقات والأنشطة الحديثة والتي تعتبر المعرفة أهم عامل من عوامل نجاحها.
وإن امتلاك الثورة التكنولوجية للعديد من عناصر القوة مكّنها من إحداث تعديلات جذرية في مناهج وأنماط العمل في كل الميادين، لاسيما المجال التجاري الذي يعد من أكثر القطاعات استجابة للتقدم والابتكار التكنولوجي ومن أكثرها استخداما للتقنيات الحديثة والمتطورة، فقد شكلت هذه التكنولوجيات محور تحول تجاري أسفر عنه تغير عميق في نمط التفكير وفي سلوك المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وبالتالي تغيرت بعض قواعد التعاملات التجارية ونجم عنها ظهور نوع حديث من المبادلات التجارية قوامها التدفق السريع للمعلومات والاستجابة الأسرع للتغيرات المفاجئة، والإلغاء النهائي للحدود والقيود المادية والجغرافية، وهو ما أصبح يطلق عليه التجارة الإلكترونية.
وقد أصبحت التجارة الإلكترونية النغمة السائدة في عالم اليوم، فقد ساهمت في جعل هذا العالم مجرد قرية صغيرة وسوقا واحدا تتعادل فيه الفرص الممنوحة لكل الشركات على اختلاف أحجامها لاقتحام الأسواق العالمية وترويج البضائع والسلع بكل يسر وسهولة متخطين بذلك كل الحدود، وكذلك الحال بالنسبة للزبائن الذين أصبح بمقدورهم اقتناء احتياجاتهم بمجرد نقرة زر واحدة ودون الحاجة لمغادرة أماكنهم.
وإن المميزات العديدة التي يوّفرها النوع الحديث من المبادلات التجارية التي تتم عبر وسيط إلكتروني ساهم في زيادة إدراك العديد من الدول لأهمية تبني التجارة الإلكترونية، فالحاجة إلى إدراك هذا النوع من التجارة لم يعد خيارا بل أصبح ضرورة حتمية تفرض وجودها على جميع الدول، ولكن درجة تطور هذه التجارة تختلف من بلد لآخر، فقد استجابت العديد من الدول لهذا النمط من المبادلات حسب أوضاعها وخصوصياتها، حيث برغم أن التجارة الإلكترونية بلغت حدود عالية في انتشارها لدى الدول الغربية وبعض الدول العربية التي بدأت تخطوا خطوات مهمة رغم تواضعها، إلا أن اعتماد هذه التجارة في الجزائر ما زال في مراحله الأولى، ولم يرقى بعد إلى ذلك المستوى الذي يمكن من اعتبارها كتقنية متطورة للتجارة، وبالتالي يتعرض الاقتصاد الجزائري إلى خلل كبير بسبب نقص هذه التجارة.
الإشكالية:
ومنه يمكن طرح الإشكالية التالية: ما مدى تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على المجال التجاري ؟
• أهمية البحث:
يستمد هذا البحث أهميته من أهمية الموضوع الذي تطرقنا إليه، فهي تعالج ظاهرة التجارة الإلكترونية، والتي تعد إحدى سمات الاقتصاد القائم على المعرفة، ومن أبرز ما حققته الثورة التقنية والمعلوماتية في الاقتصاد المعاصر.
وقد أسال هذا الموضوع حبر الكثير من المفكرين ورجال الأعمال، ولا تزال العديد من الدراسات والنقاشات متواصلة بشأنه خاصة على مستوى الهيئات والمنظمات الإقليمية والعالمية، وهذا نظرا لما له من أهمية قيمة كونه من المداخل المهمة ذات العلاقة بالتنمية الاقتصادية، فالتجارة الإلكترونية تلعب دورا فعالا في زيادة النمو الاقتصادي للدول وتعزيز تجارتها الخارجية والنهوض بالعديد من القطاعات المحلية، وتأهيل المؤسسات للخوض في عالم العولمة وضمان بقائها ومقدرتها على المنافسة، كما فتحت الأبواب أمام الأفراد للاندماج ضمن الاقتصاد الجديد واختبار عملية التسوق على الخط.
• أهداف البحث:
إن البحث أو الخوض في أي موضوع يهدف إلى تحقيق أغراض عديدة كالكشف عن حقوق أو توضيح غموض أو إقرار حقائق، ونحن إذ نقوم بهذه الدراسة فمن أجل تحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل في:
- التعرف على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتبيين تأثيرها على المجال التجاري.
- التعرف على ظاهرة حديثة انتشرت بسرعة في العالم بأسره، وهي التجارة الإلكترونية.
- إيضاح الصورة المتعلقّة بمكانة التجارة الإلكترونية في العالم عامة والعالم العربي خاصة، واستعراض بعض المجهودات الخاصة بتأهيل المجتمعات لتصبح قادرة على التعامل مع التجارة الإلكترونية، وهذا بغية استخلاص العبر من التجارب الناجحة.
- تسليط الضوء على واقع التجارة الإلكترونية في الجزائر، والكشف عن أهم التحديات والعقبات التي تحول دون تطورها.
- عرض بعض السبل الكفيلة بالنهوض بهذا النشاط التجاري والحديث في الجزائر.
• أسباب اختيار الموضوع:
تنبع الحاجة لدراسة التجارة الإلكترونية من عدة أسباب أهمها:
- ميول ورغبة الباحثة لدراسة هذا الموضوع.
- زيادة توجه المستهلكين والمؤسسات الجزائرية لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما دفع بالباحثة إلى محاولة معرفة مدى إدراك الجزائريين للاستخدامات التجارية لهذه التكنولوجيا، ومدى تطبيقهم وتعاملهم مع التجارة الإلكترونية.
- استمرار اعتماد التجارة في الجزائر على الأساليب التقليدية بدلا من الإلكترونية، رغم أن التعامل بالتجارة الإلكترونية قطع شوطا كبيرا في العديد من دول العالم.
- حداثة الموضوع واحتلاله الصدارة على المستوى الدولي، سواء كان في التقارير أو الملتقيات الدولية.
- قلة الأبحاث والدراسات، ونقص الاهتمام بالتجارة الإلكترونية في الجزائر، مما افترض عناية الباحثة بها بغية توفير دراسة تساهم في تكوين تصور واضح عن واقع هذه التجارة، وتساهم كذلك في تقديم النتائج البحثية والحلول العلمية الكفيلة بمساعدة المسؤولين الجزائريين على تجسيد مشروع التجارة الإلكترونية.
• فرضيات البحث:
لاحتواء وتحديد موضوع الدراسة فإننا نحاول طرح الفرضيات التالية والتي سنخضعها من خلال هذا البحث للدراسة قبل الحكم عليها:
1- السهولة في الشراء والبيع يزيد من معدل النمو الاقتصادي.
2- التجارة الالكترونية لها مخاطر ناتجة عن الاختراقات لشبكة الانترنت وبالتالي تتأثر الإيرادات.
• منهج البحث:
مما لا شك فيه أن بناء أي بحث يحتاج إلى منهج يكون الوسيلة التي تحدد للباحث مجالات البحث، ومنه تسهل له عملية الإجابة عن التساؤلات التي ينطلق منها في بحثه، والمناهج العلمية على اختلاف أنواعها تشكل اللباس المناسب الحقيقي الذي يغطي عناصر البحث.
وللإلمام بجوانب الموضوع اعتمدنا على المنهج الوصفي عند التعرض إلى المفاهيم النظرية المتعّلقة بالتجارة الإلكترونية، وعند تشريح وتقييم وضع ومكانة التجارة الإلكترونية في العالم والدول العربية والتي من بينها الجزائر، وتتجسد الاستعانة بالمنهج الإحصائي من خلال توظيف بعض مقاييس ومؤشرات التجارة الإلكترونية وتقنية المعلومات والاتصالات، وترجمة الإحصائيات المتعلقة بالبحث.